التعصب صناعة مصرية

التعصُّب صناعة مصرية
بقلم القس بولس فؤاد سيدهم
كاهن الكنيسة القبطية بمدينة السادات
التعصب كلمة بغيضة لا يحبها الناس ، وقد إرتبطت فى أذهان الكثيرين بأنها خاصة بالأديان فقط ، فما من مرة ذُكِرت كلمة التعصُّب ، إلا واتجهت الأنظار إلى مفهوم الدين فقط.
ولكن المتأمل لسلوكيات المجتمع المصرى وما يصدر من إفرازات مجتمعية بصورة يومية ـ يؤكد أن التعصُّب غير مرتبط بالدين فقط ، وأنه أيضاً صناعة مصرية خالصة. فأنت لن تجد ما سوف أسرده من نماذج المشاعر والأحاسيس إلا فى مصرنا الغالية فقط.
هناك تعصب بين مشجعى الأهلى ومشجعى الزمالك ، وأبسط دليل على ذلك ما حدث فى الأسبوع الماضى من تدمير وتحطيم بسبب مباراة فى الكرة لا أكثر ولا أقل.
وهناك الصعيدى والبحيرى ، وكلنا يعلم ما يقال وما يكتب بصفة شبه يومية عن هذاالنوع من التعصب.
وهناك التعصب بين الغنى والفقير ، وساكن الزمالك أو مصر الجديدة وسكان عزبة النخل وإمبابة.
وهناك التمييز الواضح بين المتعلم وغير المتعلم، بل وحتى بين فئات المتعلمين يوجد تعصب. ألسنا نقول كليات القمة ( ونقصد بها الطب والصيدلة والهندسة) بينما – فى تصورى على الأقل – أن الأستاذ الذى يحمل الدكتوراة ويدرِّس فى كلية الآداب مثلاً لهو أفضل بكثير من الطبيب الذى لا تعرف كيف دخل كلية الطب ولا كيف تخرّج فيها وربما لا يعرفه أحد من الناس ، وقد يرتكب من الأخطاء فى مهنته ما يؤدى بحياة الناس ، ولكنه – وبسبب التعصب الأعمى – يظل " الدكتور فلان إبن فلان" . أليس هذا تعصباً ؟ ؟
ويمتد التعصب فيشمل العديد من مرافق الحياة اليومية فى بلدنا الغالية علينا. فالمدير يحضر متأخراً ولا يحاسبه أحد ، والمسئول يحكم بمفرده ولا يقبل النقد ، وصاحب العمل قد يتعامل مع العاملين معه على أنهم عبيد أكثر مما هم منتجين له، وربما راكب المرسيدس ينظر لراكب الفيات 128 المتهالكة نظرة كلها إحتقار وشعور بالعظمة 00000 اليس كل هذا تعصُّباً ؟؟؟
لماذا نربط التعصب بأمور الدين فقط ، وننسى – أو نتناسى – أن التعصب موجود فى حياتنا دون أن ندرى
( أو ربما ندرى ولا نريد أن نعلنه).
لذلك إذا أردنا أن نقضى على ما نراه من ظواهر شادة فى حياتنا اليومية ، علينا أن نبدأ باقتلاع جذور التعصب بشتى أنواعها من عقول وأذهان الناس . ولنبدأ بالأطفال ، فنعلمهم حب الآخرين وأن قيمة المرء لا ترتبط بمركزه المادى أو العلمى بقدر ما ترتبط بمدى إخلاصه لعمله وحبه للآخرين وحبه للعطاء والبذل.ويكفى أنه إبن لمصر ، وهذا وحده كفيل أن يجعلنا نحبه ونحترمه.
المشوار طويل ، ولكن دعنا نبدأ .... فسباق الألف ميل يبدأ بخطوة واحدة.